«ملامح».. وإعادة الاعتبار لتاريخ المنامة

للصورة ملامح.. وحكايات
للصورة ملامح.. وحكايات

وسام السبع

صحيفة الوسط البحرينية – الثلثاء 29 يوليو 2014م

تصفحت بغبطة الإصدار الرابع لكتاب ملامح (وجوه من المنامة 2) الذي أصدرته جمعية العاصمة للثقافة الاسلامية. الكتاب حفل بتوثيق صوري ووثائقي مدهش لسبعة وتسعين شخصية من وجوه المنامة وأعيانها، وهو إنجاز ثقافي يستحق الإشادة والتنويه، ليس لكونه ضم بين دفتيه جزءاً من روح المنامة وعبق تاريخها الفسيفسائي الجميل، بل لأن هذه الفكرة المبدعة برقت في أذهان نخبة من شباب المنامة وتحمسوا لها وعملوا من أجل تحقيقها، وصارت حقيقة كسبت احترام المهتمين بتاريخ هذه المدينة العريقة ومحبيها.

ليس أحدٌ منا إلا وله مع المنامة ذكرى وذكريات، المنامة ليست لأهلها فقط، إنها لنا، لي ولك ولهم ولكم، وهي وإن كانت اليوم تعاني الغربة لأن من يقطنها لا تعرفهم جيداً، فهم يتكلمون الأوردية والانجليزية والفلبينية. لقد تخطفتها العمالة الأجنبية وعبثت بها أيدي الزمان.

صحيح أن الوجود الآسيوي قديم في المنامة، لكنها لم تكن مدينة حكراً على الوافدين إلا في السنوات الأخيرة، فأكثر أهلها هجروها هرباً من الاختناق، وبحثاً عن «جيرة وطنية» تتكلم لغة الضاد. هجروها وهم محقون طبعاً، إلى حيث الاتساع المريح، اتساع الشوارع ورحابة البيوت التي لا تشبه علب السردين في أزقة ضيقة تهلك فيها النسمة العابرة.

50 استمر في القراءة “«ملامح».. وإعادة الاعتبار لتاريخ المنامة”

الشيعة بين إنصاف الأزهر وموضة التكفير

councilmain

وسام السبع

صحيفة الوسط البحرينية

لا أحسب أن تنال الموضة الظرفية الجديدة لشخص طارئ على الدين، غرّ في السياسة والحياة العامة، من مبدئية ورصانة الموقف الديني المضيء للأزهر الشريف، في واحدةٍ من أدواره التقريبية الزاهية بين المسلمين، عندما أفتى إمامه الأكبر الشيخ محمود شلتوت (ت 1963) بجواز التعبد بالمذهب الإمامي، وقال ما نصه: «إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة».

وكانت هذه الفتوى من حسنات دار التقريب بين المذاهب التي أنشئت في القاهرة سنة 1948 واستمرت حتى العام 1970، وكان من أثر هذا التقارب أن قرّر الأزهر تدريس المذهب الشيعي الإمامي والزيدي في كلية الشريعة. كما أن جامعة إيران أدخلت دراسة فقه السنة في كلية «المعقول والمنقول» بها، كما كانت للدار مجلة ربع سنوية تصدر باسم «رسالة الإسلام».

15632

ضمت جماعة التقريب هذه صفوة أهل العلم والرأي عند أهل السنة والشيعة، وفي مقدمتهم الشيخ مصطفى المراغي ومصطفى عبدالرازق والشيخ شلتوت، ومن الشيعة ضمت السيد حسين البروجردي والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والسيد عبدالحسين شرف الدين والشيخ محمد تقي القمي الذي كان أول من دعا إلى هذه الفكرة وإلى تأليف هذه الجماعة، حيث قصد مصر وعرض على علمائها فكرته فوجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية.

مناسبة التذكير بهذه الفتوى لهذا العالم الجليل، انتشار مقطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعية لأحد «المتقاعدين» يوم الجمعة (11 يوليو/ تموز 2014) يتهجم فيه على مكون كبير من مكونات شعب البحرين، متعرضاً فيه لعلماء رماهم بالكفر ودعاهم لدخول الإسلام، وقد بلغ عنده منسوب الوقاحة أن توعد كبار العلماء بـ «اصطيادهم كالفئران»، أمام مرآى القانون وسمعه، بل ورغماً عنه!

الخطاب الديني في البلد يعاني منذ ثلاث سنوات من انحدارٍ شنيع، لكنه الآن تعدّى مرحلة الانحدار إلى مستوى السخافة والتهريج الممجوج، الذي يستدعي التدخل السريع حفظاً لهيبة الدين الباقية، وصوناً لمصالح البلاد التي تتآكلها الأحقاد على مذبح الأطماع السياسية واللهاث الصبياني على كعكة النفوذ وضرع المناصب الحلوبة.

استمر في القراءة “الشيعة بين إنصاف الأزهر وموضة التكفير”

مئة عام مع الوردي

159

وسام السبع

الوسط البحرينية

«عشرة أعوام عشتها مع الأستاذ الدكتور علي الوردي كانت بمثابة مئة عام». بهذه العبارة افتتح محمد عيسى الخاقاني كتابه «مئة عام مع الوردي» الصادر عن «دار الحكمة» بلندن. ويتضمن الكتاب مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، إضافةً إلى ملف بالوثائق والصور تقع جميعها في 340 صفحة و41 صورة فوتوغرافية نقلنا عبرها المؤلف إلى قلب الحياة اليومية لأبرز المفكرين الاجتماعيين العرب في القرن العشرين وأكثرهم إثارةً للجدل.

في حديث لي مع الشيخ عيسى الخاقاني والد المؤلف، وصاحب مجلس الخاقاني الثقافي البغدادي الذي جاء تأسيسه بمبادرة من الوردي نفسه، قال الخاقاني: «يحق للعراق أن يفخر بشخصيتين عظيمتين، وأن ينصب لهما التماثيل اعتزازاً وتقديراً لعطائهم ودورهم في النهضة العلمية في العراق: علي الوردي، وحسين علي المحفوظ».

في العام الماضي، مرّت علينا الذكرى المئوية لولادة العلامة علي حسين الوردي (ت 1995) صاحب المؤلفات الغزيرة والمثيرة للجدل. وفي هذا العام يصدر هذا الكتاب الشيق عن مسيرة حياة الوردي وتجربته الفكرية.

تتلمذ على يد الوردي العديد من الطلبة البحرينيين، يوم أن كانت السيادة الفكرية في العالم العربي معقودة لبغداد، وكان أحد طلبته عالم الاجتماع عبدالهادي خلف، الذي أخبرني أنهم في جامعة بغداد كانوا يعدون درس الوردي «حصة السوالف» لفرط بساطتها وعفويتها. لكن خلف أعاد النظر في تقييمه لأستاذه حين انتهى إلى أن اللغة الواضحة لا تعني البساطة، وأن التعقيد لا تعني الغزارة العلمية.

مبكراً انفتحتُ على كتابات الوردي الاجتماعية ذات الجرأة النقدية العالية، وكانت لدراستي الجامعية لعلم الاجتماع أثر في دفعي للاطلاع على تراث الوردي الذي يتخذ من التراث والتاريخ مادةً لكتاباته التي شغلت العقل العربي لأكثر من خمسين سنة. وكنت أهرب من قسوة اللغة الجافة لكتب علم الاجتماع التي كنا ندرسها في الجامعة، إلى نداوة اللغة الشفافة والبسيطة التي يخاطب بها الوردي قراءه وكأنه يتحدث إلى صديق قديم في سمر ليلي على ضفاف دجلة.

استمر في القراءة “مئة عام مع الوردي”

فضل الله: أيها الناس… الإسلام عقل

fadlullah

وسام السبع
صحيفة الوسط البحرينية

نفتقد في الذكرى الرابعة لرحيل العلامة السيد محمد حسين فضل الله (ت 2010) والتي تصادف 4 يوليو/ تموز، رمزاً فكرياً وإنسانياً وفقيهاً ومجدداً سيعيش معنا طويلاً بما تركه من تأثير عميق في الواقع العربي والإسلامي لأكثر من خمسين عاماً، قضاها في رعاية الحالة الإسلامية مُنظّراً وموجهاً وفاعلاً. فالرجل كان يعرف ماذا وكيف يقول، وهي شروط لازمة تتضاعف قيمتها اليوم والمشهد العربي الكئيب يذهب بنا بعيداً إلى المجهول.

عاش «السيد» خمسة وسبعين عاماً مليئة بالمسئولية والإلتزام الإنساني والمحبة والفكر والشعر والفقه والهموم والمهام الكبرى. سافر كثيراً، وخطب كثيراً، وكتب الكثير، وعانى من سهام النقد والتسفيه، وقاسى من ضروب الاغتيال المعنوي من رفاق درب شاركوه قلق المسيرة ومسئوليتها. لم يتحمل البعض وجوده فسعوا للتخلص منه غير مرة، وكان أبشعها ذلك الانفجار الهائل في منطقة بئر العبد، حيث كان يقطن. الانفجار الذي اقتلع حياً بكامله في مشهد دموي مهول، عقب هذه التراجيديا البشعة قال بين أنصاره ومحبيه: «ليس المهم بطل الخط، فالبطل قد يموت، ولكن المهم خط البطل، فتمسكوا بالخط وإن مات البطل».

وُلد في النجف الأشرف في العام 1935، وتربى في حجر والده وأستاذه الأول السيّد عبد الرّؤوف فضل الله وأخذ عنه الموادّ الحوزويّة؛ من النّحو والبلاغة والمنطق، والأصول والفقه، وهو في سنِّ التاسعة، وذلك قبل أن ينخرط في دروس الكبار، كالسيّد أبي القاسم الخوئي (ت 1992)، والسيّد محسن الحكيم (ت 1970)، (وهو خال والدته)، والّذي كانت حركة مرجعيّته منفتحةً على الواقع الإسلاميّ العام، في الوقت الّذي كانت أغلب المرجعيّات تعيش في دائرة مغلقة خاصّة.

خاض في حياته أكثر من معترك وعراك، وكل معاركه معارك فكر وصراع رؤى، وهو القائل «أنا لا أحمل صخرة، بل أحمل رؤية، والرؤية لا تتدحرج، إنها تدخل إلى قلوب الناس». توغّل في المناطق الوعرة في الفكر الديني، وطرح الأسئلة بجرأة فيلسوف وقلب شاعر، وحفز على الاستفهام، وأطلق عبارته المعروفة «الحقيقة بنت الحوار»، وليس هناك سؤال تافه أو محرّم.

السيد فضل الله أحد أبرز فقهاء الفكر الإصلاحي المتأخرين، من الذين يمثلون الدرجة الأولى من المجددين بما تركوه من هزات ونظريات في عالم الفكر الاجتهادي والفقهي والكلامي، في إطار المدرسة الإمامية بين فقهاء كبار آخرين لا تتسع لذكرهم هذه المقالة، لكننا نشيد ونحيل إلى الدراسة اللطيفة التي وضعها الشيخ جعفر الشاخوري، وهو أحد تلامذة السيد فضل الله في كتابه «السيد فضل الله وحركية العقل الاجتهادي»، حيث يؤكد الشاخوري أن فضل الله اجترح منهجاً فقهياً واجتهادياً اتسم بالشمول والاتساع.

المرجعية الدينية التي صرّحت بملء فمها دون مواربة ولا مداهنة: «الفتنة السنية الشيعية حرام ثم حرام ثم حرام»، وكان دائماً على تواصل شبه يومي مع مرجعيات سنية في العالم العربي والإسلامي، وتمكّن من كسب الاحترام المسيحي بطرحه المتزن، وكان يتندر بين الحين والآخر بقصة من جاء إلى السيد محسن الأمين (ت 1951) كي يتحول من سنّي إلى شيعي، فقال له الأمين: «قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله» !.

وعندما حاول السيد موسى الصدر (غُيّب في 1978) تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، نصحه السيد فضل الله بأن لبنان يحتاج مجلساً إسلامياً أعلى من دون أن يكون شيعياً أو سنياً، وكان السيد الصدر متجاوباً مع الفكرة ولكن الظروف الواقعية التي كان يمر بها لبنان وقتها لم تكن تسمح بميلاد مشروع كهذا، ولما وُوجه برفض الأطراف الأخرى اضطر الصدر أن يشق طريقه بمشروعه النهضوي لترتيب البيت الشيعي. «حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع» (ص 18)، وهو الذي يؤمن بأن الطوائف نعمة والطائفية نقمة.

يوماً ما، كان هو المرشد الروحي لحركة المقاومة الإسلامية في لبنان، وكانت خطاباته النارية تلهب مخيلة الحركات الإسلامية في العالم العربي وتمدها بالطاقة الروحية والفكرية اللازمة لاستدامة مشاريعها المتعثرة والمظلومة في بيئة معادية ومحيط مكبل بأغلال الاستبداد والقهر والتخلف. من هنا وُجد دائماً من يدعو إلى قتله، من الذين «لا يفرقون البتة بين عبقرية الرؤية والتفاعل العميق العميق، مع النص القرآني والهرطقة ! ».

كان المرجع الديني الذي وقف سداً منيعاً بوجه «الذين يحاولون تحويلنا إلى حطام أيديولوجي»، وضد «الذين يُتقنون تعذيب النصوص»، واشتغل على إحياء ثقافة الحوار واجتراح الأسئلة الصعبة، وكان يرى أن الانفتاح على الآخر هو شرط وجودي لمعرفة الذات، وفي ذلك سكب الكثير من الحبر في العديد من الكتب، وقال كلاماً طويلاً طويلاً من على أعواد المنابر انتصاراً للأسئلة الجريئة والطرح الفكري الرصين والشجاع، متحرّراً من وطأة العُرف السائد في أوساط المرجعية و»براني» الآيات العظام.

عمل الكثيرون من داخل «البيت» وخارجه على توجيه حملات تشويه لمواقفه وأحاديثه، وكان المستهدف فيها فضل الله الظاهرة والنهج والخطاب، حسداً وبغضاً وانزعاجاً وضيقاً، وكان يتلقى كل تلك الضربات بود منقطع النظير وقلب كنت تجد فيه كل الناس.

لقد اختصر السيد المسافات الطويلة والمعقدة حين أسس لفكر إسلامي ملتزم بالإنسان، وعبّد الطريق لفهم جوهر الحقيقة الدينية ولسان الحال يقول «أيها الناس… الإسلام عقل».

الثلثاء 08 يوليو 2014م

وصلة المقال في الصحيفة
http://www.alwasatnews.com/4322/news/read/902174/1.html

بغداد… والأزمنة الصعبة

baghdad_mosque_01

وسام السبع

صحيفة الوسط البحرينية 

 

لا يبدو أن حظوظنا كعرب مع مُدننا الكبرى سعيدة أبداً. فالقاهرة فقدت بريقها الحضاري في دنيا العرب بعد أن كانت يوماً ما قبلة القوميين وموضع عزّهم، وعنها انطلقت الأهازيج الشعبية، وبالنشيد القومي الحالم برجل فوق الأهرام وأمامه بساتين الشام.

وبيروت التي أعطت بأنغامها أحلى الألحان وأشجاها، وأهدت للعرب أجمل القوافي وسيلاً من الدواوين، وصحافة حرة وأدباً مهجرياً غزيراً وأصيلاً، وجبران والريحاني… لازالت تداوي جراحات سنوات الدم في حربها الأهلية، وتقاسي شهوة الانتقام التي تستبد بتنظيمات تكفيرية يغيظها جمال الحياة عند ضفاف المتوسط فتقرر نشر الخراب.

وبغداد، الجرح النازف، والألم الغائر في قلب العروبة، التي يقول عنها الخطيب البغدادي: «إن الصناعة بالبصرة والفصاحة بالكوفة والخير في بغداد».

وعندما سأل الإمام الشافعي صاحبه يونس: يا يونس أدخلت بغدد؟ قال: لا، قال: يا يونس ما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس.

وفيها صدحت فيروز على مسارح السبعينات:

«بغداد والشعراءُ والصورُ

ذهب الزمانُ وضوءه العطرُ

يا ألف ليلة يا مكملة

الأعراس يغسل وجهك القمرُ

وعلى ما لبغداد من مكانة في دنيا العرب وما تمثله في تاريخهم الحضاري، إلا أن هذه المدينة العتيقة أُرهقت تماماً بعد تأسيسها بخمسة قرون بما جرى عليها وفيها. أرهقتها المكائد والإغفال والإهمال فضعفت قدرتها على الممانعة. وكانت أسهل مدينة دخلها التتار في زحفهم نحو العراق!

استمر في القراءة “بغداد… والأزمنة الصعبة”

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑