باسم الكربلائي : أيقونة الحزن المقيم

حوار أجراه: وسام السبع

صحيفة الايام البحرينية

 مشواره في النعي الحسيني امتد لأكثر من 22 عاماً، صوته الشجي ينتزع الدموع من الآفاق ساخنة مرارة.. تسمعه فيخشع القلب، ويشنف السمع، وتطرب الجوارح، وتهفوا النفس لذكري من يخلدهم صوته ويذكرهم لسانه.. ذلك هو الرادود الحسيني المعروف الملا باسم الكربلائي الذي التقته (الأيام) علي هامش زيارته للبحرين لاحيائه لذكري وفاة الإمام علي بن أبي طالب (ع) وكان هذا اللقاء الاول للملا باسم الكربلائي مع الصحافة البحرينية.

حاج باسم .. هل لكم أن تعطونا نبذة عنكم ؟

ولدت في عائلة متدينة والحمد لله، وفي الاصل أنا إيراني فقد سافر جدي من ايران الي العراق لمجاورة الإمام الحسين (ع) في كربلاء وولد أبي في العراق وولدت أنا أيضاً في العراق بكربلاء المقدسة، وكانت العائلة تشتغل بالتجارة. ولدت في عام 1967 في جو مشبع بالروح الحسينية وبفكر ولاية أهل البيت (ع) حيث المواكب الحسينية والحسينيات والمآتم مرقد الإمام الحسين (ع) وأصحابه الأنصار.. كنت منذ طفولتي أحب عالم الفن، وكنت أعشق كرة القدم والإنشاد إلا أني وجدت طريقي إلي (الصوت والانشاد) في خدمة أهل البيت. كانت دراستي في مدرسة الاعتماد النموذجية بكربلاء إلي أن بلغت 13 سنة حيث تم تهجيرنا من العراق من قبل الحكومة العراقية ورجعنا إلي إيران. البداية مع النعي الحسيني

متي وكيف كانت بدايتك مع النعي الحسيني؟

كانت بدايتي في إيران بعد أن هجرنا من طرف النظام العراقي في عام 1980م وقد بدأت قارئاً للقرآن واستمررت لخمس سنوات أي لغاية 1985م. كان عندي أستاذ في إيران اسمه محمد تقي الكربلائي فطلبت منه قصائد حتي أقرأها في العزاء فاستهزأ بي آنذاك فحزنت وحملت عليه في قلبي وعندما أحس بذلك أعطاني بعض القصائد لأقرأها في العزاء وكانت قصيدة كان يقرأها الرادود الحسيني المعروف (الشيخ هادي الكربلائي) والتي تقول: يحما الدخل يا حسين/ كل اللوادم إشهدون/ بر وبحر مو منكور/ جن وانس يعترفون) وأما القصيدة الثانية فكان مطلعهما: (مر علي الشاطئ يحادي ارجابنا) أعطاني هاتين القصيدتين وأخذت أتمرن عليها وبدأت في مدينة (قم المقدسة) في ذكري وفاة الرسول (ص) وقد بدأت بموكب الزنجيل، حيث كانت المواكب الكربلائية كلها تجتمع عند سماحة المرجع المرحوم السيد محمد الشيرازي (رحمة الله عليه)، وبعد أدائي الأول صار اعجاب من الناس وتشجيع علي الاستمرار وقال لي الكثيرون بأن لك شأناً في هذا المجال ومنذ تلك التجربة الأولي في عام 1980 والي اليوم أنا مستمر والحمد لله.

هل تأثرتم بأشخاص معينين في مجال الانشاد الديني والنعي؟

نعم، تأثرت بالمرحوم (الشيخ حمزة الصغير)، ففي بداياتي كنت أقلده وأمشي علي أسلوبه.. فالنعي ليس فيه تعليم، وكلنا يعلم أن الصوت تطرح فيه دراسات دكتواره في الجامعات العالمية إلا أننا نحن نتدرب علي النعي والأداء من خلال التدريب والإلهام والاستفادة من تجارب الرواد في هذا الفن.. وليس عن طريق الدراسة، ففي بدايتي ومنذ أن كنت صغيراً أأتي بالنغمة نفسها التي يأتي بها الشيخ حمزة الصغير… غ هل تسمع أداءك في أشرطه الكاسيت؟ لا، لم أكن أحب سماع صوتي.. (وهذه لأول مرة أقولها) وكنت أستخف بالناس الذين يسمعون لي وأري أنهم يفتقدون الذوق الراقي!! هذا عندما بدأت، يعني عندما بدأت ولغاية خمس أو ست سنوات لم أكن أري صوتي وأدائي جميلاً ويستحق أن يسمع.. أما الآن فإنني أعرف ماذا لدي..

في حال سماعك لأداءك الآن ألا تنتقد نفسك؟

أود أن أشير الي أن أعمال الاستوديو تختلف عن أعمال المنبر العزائي، والنجاح للرادود لابد أن يكون في المأتم أولاً لأنه مباشر وأمام المستمعين والمشاركين في العزاء بينما في الاستوديو فالأمر يختلف حيث تتدخل الكثير من المؤثرات الصوتية وتدخل في (الالمبوم) الكثير من التعديلات التي قد لا يستسيغها الرادود نفسه.. وكنت أنا اول رادود حسيني يصدر اعمال في (الاستيدو) وذلك قبل عشر سنوات في الكويت عام 1993 وكان الكاسيت بعنوان (وافاطمتاه).

يشكل نص الشاعر جابر الكاظمي اتكاءً هاماً في رواديدكم فما هو سر هذه (العلقة الحصرية)؟

كثيرون كانوا يقرأون للشاعر جابر الكاظمي ولكن لم يكن جابر هو جابر الكاظمي اليوم.. وكان له تاريخه العريق طبعاً، وكنت أسمع قصائده قبل أن أعرفه ولكني لم أكن أقرأ له، فكنت أقرأ للمرحوم (محمد رضا فتح الله) وفتح الله ليس بمستوي شعر جابر الكاظمي طبعاً، فحصل أن عرض علي بعض الرواديد أن صوتي وأدائي جداً ممتاز ولكن القصائد ليست بالمستوي المرضي وعرضوا علي التعاون مع جابر الكاظمي وشاءت الأقدار أن زار جابر اصفهان بإيران واعطاني بعض القصائد وقرأتها وكانت القصيدة تقول في مقطعها (يا زهرتي الكطعوها/ فوق الترب نثروها/ بالآلام غابت روحي يا جسام) وفي هذه الفترة كان جابر الكاظمي أنف جداً من وضع الرواديد في طهران ويعاني منهم كثيراً.. وفي إحدي المرات سافر جابر من طهران الي اصفهان وقال لي أنا جئت خصيصاً لك من أجل أن نتفق علي التعاون هو يكتب القصائد وأنا القيها علي المنبر ومنذ ذلك اليوم والي الآن استمر تعاوننا ثمانية عشر عاماً أي منذ عام 4198م. واتفقنا علي أن نجتمع كل ستة أشهر أو أقل من أجل مراجعة ما تم انجازه ونفكر فيما سننجزه.. وفي كل لقاء نظل نتناقش طوال الليل وحتي ساعات الفجر الأولي. وطريقة عمل الثنائي والحمد لله أعطت ثمرها، حيث عمل الشيخ حمزة الصغير والمرحوم الشيخ كاظم منظور الكربلائي وهما ثنائي معروف علي مستوي العراق، ونحن أيضاً مشينا علي ذات الطريق ووفقنا بها. البعد السياسي في العزاء

يحتل الشأن السياسي والاجتماعي مكانة بارزة في قصائد العزاء في البحرين، فيما نري أن تجربة العزاء العراقي تقصر معالجتها علي صاحب المصيبة أو صاحب الذكري فتعلو النبرة الجنائزية ذات النغم الحزين وهذا ما اشتهرتم به أنتم علي سبيل المثال.. كيف تري هذا التباين في التجربتين؟

أعتقد أن لديكم في البحرين قسمين من الرواديد، قسم يهتم بالشأن السياسي في القصيدة والقسم الآخر وأنا منهم يولي صاحب الذكري كل الاهتمام في العزاء وبالنسبة لي أنا لا أذكر أي قضية سياسية ولا أبشر بأي خط فكري ولا أي مرجع تقليدي أو عالم أو ما أشبه.. إننا في الموكب العزائي نلطم علي صدورنا لمصاب محمد وآل محمد (ص) فقط أما أن ألطم علي صدري لقضية سياسية أو للتبشير بخط فقهي أو سياسي فلا أفعل أبداً.. أما بالنسبة الي الخلط الحاصل في العزاء البحريني فأنا لا أوافق عليه أبداً، لأن به شحنه سياسية تطغي علي العزاء نفسه وبالتالي فإن ربط العزاء بالسياسة يعطي العزائية عمراً قصيراً، بينما عندما تكون القصيدة كلها متصلة بأهل وبصاحب المصيبة فهذا يعطها عمراً أبدياً.. أما الأمور السياسية فالفضائيات اليوم تفرد حيزاً كبيراً للسياسة وقضاياها وحتي المطربين والممثلين أصبحوا اليوم يتحدثون عن السياسة… إذا من رأيي أن تسييس العزاء أمر ليس محموداً ويجب علينا أن ننظم أمورنا ولا نخلط هذا الخلط غير المقبول.. نعم، قد يتحدث الخطيب عن شأن سياسي وهذا جيد أما أن تصبح اللطميات والعزاء سياسة فهذا غير مقبول.

كيف ترون دور الناعي الحسيني اليوم في ترسيخ جذور الوعي والعاطفة بقضية أهل البيت؟

لقد دعيت في أمريكا سنتين متتالتين وبريطانيا ولبنان ذهبت لأكثر من أربعين منبر ولاكثر من 13 سنة كانت لي مشاركات في لبنان ودمشق وايران حيث صار لي أكثر من 41 سنة شاركت في مختلف مناطق ايران كما شاركت في دول الخليج جمعاء ماعدا قطر فقط، هذا كله من دون قناة فضاءية ووسيلة اعلام.. إذاً دور الناعي والرادود الحسيني دور كبير جداً في ترسيخ الوعي والعاطفية بقضية ظلامة أهل البيت (ع) ويأتي هذا الدور مكملاً لدور الخطيب الحسيني الذي يعطي لقضية أهل البيت مساحة واهتماماً واسعاً.. رغم أن طلب غالبية الناس وخصوصاً فئة الشباب علي الرادود الحسيني والتعشق بالنغمة الشجية.. وأنا كرادود أستطيع ترسيخ أفكار أهل البيت (ع) في ذهن المستمع، ولدي أعمال قادمة إنشاء الله أحاول فيها عرض (سلسلة اخلاق أهل البيت) تصب وتصاغ في قصائد وأقوم بتلحينها وأدائها في أشرطة وتنتشر في أوساط الشباب والأطفال والرجال والنساء.. وستعرض هذه السلسلة جملة من المفاهيم الاخلاقية الراقية لأهل البيت مثل الصدق وحرمة الكذب، والعفاف ووجوب الحجاب، والاخلاص وتجنب النفاق وهكذا..

هل أنتم راضون عن النماذج الموجودة اليوم في مضمار النعي الحسيني؟

مع احترامي للجميع، ليس هناك عطاءً مرضياً في هذا الاتجاه، وأنا أتمني من الرواديد الحسينيين أن يفكروا أكثر ويبتكروا أساليب جديدة لتطوير عطائهم ومواكبة المستجدات. لن أقع في محذور التكرار غ استطعتم من خلال ابتكار أفكار وطرائق جديدة في الظهور للمستمع فلكم اصدارات أدعية ومناجاة وابتهالات دينية وأهازيج عن أهل البيت للأفراح وقصائد عن الموت وحياة البرزخ علاوة علي احياء مصائب أهل البيت.. بعد كل ذلك ألا تجدون أنكم قد تعيدون انتاج عطائكم وتقعون في محذور الاستهلاك؟ أنا أقضي أيامي وساعاتي كلها في التفكير في مسألة خدمة أئمة الهدي وكيف أظهرهم للعالم وكيف أغازلهم وأتحدث معهم وكيف أوصل القيم العظيمة في فكر أهل البيت الي المسلمين وغير المسلمين في كل بقعة من بقاع العالم. وبفخر أقولها رغم احترامي الكبير لكل خدمة أهل البيت الأموات منهم والاحياء؛ ليس هنا من ترك بصمات واضحة مثلما تركت أنا في نتاجي عن أهل البيت، فهناك من تحدث عن مصائب أهل البيت ومواليدهم ولكن ليس هناك مثلاً من تحدث عن (الموت) في قصائده وهكذا.. أما أن الوقوع في (الاستهلاك) فأنا لا أتصور أنني سأقع فيه لأن العمر قصير والأفكار كثيرة والطموح كبير. وأنا متفرغ تماماً لهذا العمل الشريف وغير مرتبط بعمل مهني آخر غير. الشعب البحريني طيب وخلوق ومخلص

كيف ترون تجربة المواكب الحسينية في البحرين في مستوياتها الجماهيرية وفي مستوي ما يقال من قصائد وأداء؟

لقد رأيت في أهل البحرين الاخلاص وطيب ولائهم الكبير لمحمد وآل محمد (ص)، وأنا أشكر جميع المآتم وعلي رأسها مأتم القصاب، أما عن الرواديد والعزاء وطريقه اللطم وتسيير العزاء فممتازة جداً، وأنا لم أر في مكان آخر هذه الأجواء الحسينية في محل آخر سوي في العراق.. أما الطور البحريني في العزاء فإن اللطمة تكون سريعة بحيث لا تسمح للرادود في أن يُبّين المقام والوضوح، أما الأطوار العراقية فاللطمة فيها تكون بطيئة بحيث تكون الصورة واضحة للقصيدة بحيث تنقل المعزي الي أجواء المصيبة والالتحام مع صاحب الذكري المُخلّده.. إذاً الطور الشعر والاداء عناصر مهمة جداً وأجدهما مفتقدان نوعاً ما في العزاء البحريني أو ليسا بالمستوي المطلوب في رأيي… أنا لا أقرأ أي لحن لقصيدة إلا بعد أن أستشير بعض من الشباب (الذويقين) والرواديد وهذه مسألة مهمة عندي. أبذل جهداً كبيراً في إنشاء القصائد.

ما هي أفضل قصيدة ألقيتها ؟

قصائدي كلها مثل أطفالي، وأنا أصرف طاقات جبارة من أعصابي وصوتي من أجل تقديم الأفضل، وبعض القصائد قد تأخذ معي أسبوعاً كاملاً حتي أضع لها لحناً مناسباً، وبعض القصائد لا تأخذ سوي دقائق. شاركنا في نصر لبنان!!

إنشادكم في لبنان بحضور السيد نصر الله أثار جملة من الاستفهامات لدي البعض ذهول واستغراب لدي البعض الآخر. كيف كانت الزيارة وكيف تمت الدعوة لكم؟

نحن في الواقع نخدم محمد وآل محمد. أما الخطوط والتيارات بالنسبة لي لا أتحسس فيها أبداً وأقبل أي دعوة توجه لي بصرف النظر عن أي اعتبار.. لقد دعاني حزب الله في لبنان لمدة سنتين، وقبل أن أجيء للبحرين هذا العام اتصل بي مسئول الأمن في الحزب يدعوني لاحياء وفاة الإمام علي (ع) في لبنان لديهم وقلت له إنني مرتبط في البحرين وأنا متأسف جداً لعدم قدرتي علي قبول الدعوة. ولقد رأيت السيد حسن نصر الله إنساناً متواضعاً جداً ومنفتح جداً ويشعرك دوماً بأنك قريب منه.. أما موضوع (التطبير) الذي كثر الحديث عنه أنا نفسي قرأت عنه 22 عاماً وليس في السنوات الأخيرة فقط.. ومع الأسف فإن الكثيرين فهموا القصيدة بأنها بمثابة مواجهة لتيار معين أو رمز محدد وهذا تصور خاطئ فأنا لم أقصد أحداً ولست ضد أي توجه. أنا جلست مع السيد حسن نصر الله جلسات خاصة وتشرفت بضيافته أربع مرات وذلك مع الأخ جابر الكاظمي، وعَرَض علينا السيد تنسيق برنامج يتم فيه دمج قصائد شعرية من (كربلاء) وقصائد من (جنين) إحدي المناطق الفلسطينية، فالسيد واسع الصدر وقد أعطاني وساماً أتشرف به وذلك في أول لقاء معه لي مع الأخ جابر الكاظمي قال لنا: كنتما معنا في هذا النصر في لبنان لأن شباب المقاومة كانوا يرددون قصائدكما الحسينية في جبهات القتال.

أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑