ضمن فعاليات مهرجان أبي تراب الشعري.. السبع:

الإبداع الشعري المحلي غير مقرون بدراسات نقدية موزاية..

وفعالياتنا الثقافية يتعين أن “تراكم الخبرات” لا أن تكدّسها

 

ضمن فعاليات النسخة الحادية عشر من مهرجان أبي تراب الشعري دعا الباحث الدكتور وسام عباس السبع إلى ضرورة جمع هذا التراث الأدبي وإعادة تحقيقه وإخراجه إلى النور، فبالرغم من تقادم العهد عليه، وقدم التعليم النظامي الحديث، إلا أن حركة تحقيق التراث لاتتناسب مع أهمية هذا التراث وغناه، ولاتتناسب مع التطور الثقافي الذي يتميز به المشهد المحلي.

وشدد في كلمته التي حملت عنوان ” علويّات شعراء البحرين ومسؤوليتنا نحو تراثنا الأدبي” في مهرجان أبي تراب الشعري، مساء الخميس 5 ابريل 2018م في مأتم سار الكبير بالقول: من غير المستحسن أن تبقى الفعاليات الثقافية والأدبية رهينة لبُعد واحد من أبعاد الحالة العلمية التي كانت عليها البحرين في عصور ازدهارها الماضية، فقد كان التنوع والشمول أبرز خصائص الحركة العلمية في العصور السالفة، وهذا ما يتعين على القائمين على العمل الثقافي والعلمي الحرص والمحافظة عليه اليوم”.

كما أوضح أن هناك حاجة ماسة إلى استثمار الفعاليات الثقافية الكبرى الناجحة في تعميق العمل الثقافي والعلمي المنتج، والعمل على مراكمة الخبرات عوض تكديسها، وذلك لايتم إلا من خلال إشراك الباحثين والعلماء والمحققين في برامج عمل دائم وليس موسمي، وعدم الاكتفاء بفئة الشعراء.

وأضاف السبع: إننا مطالبون اليوم بالعمل على ربط الجيل الشاب بتراثنا الأدبي ومحاولة عرض هذا التراث الأدبي الوفير، والتعرّف على سماته وخصائصه الفنية والجمالية ومحاولة تمثّل قيمه الأخلاقية والتربوية والوقوف على معطياته التاريخية، ذلك أننا نعاني – حتى في أوساط الشعراء أنفسهم – جهلاً بهذا التراث وانقطاعاً عنه.

وختم بقوله: “أقترح على القائمين على هذا الحدث الثقافي الكبير، ترشيح شخصية العام الأدبية من شعرائنا الماضين، ومحاولة تقديم أوراء بحثية عن حياته وشعره، والعمل – إن أمكن – على إخراج ديوانه الشعري محقّقاً تحقيقًا عمليًّا، فإن هذه الأعمال هي التي تخلّد الشاعر وتبقيه حيّاً في النفوس والعقول والعقول، وتبقي الجيل الجديد على تواصل مع هذا التراث المنسي”.

وأشار السبع إلى أن الإنتاج الكتابي لعلماء البحرين حول سيرة النبي (ص) وأهل البيت الأطهار (ع) مستويات أربعة:

  • الأول: كتب السير والمقاتل (التاريخ).
  • الثاني: كتب الفضائل (الحديث).
  • الثالث: المفاهيم العقائدية والأخلاقية والعلمية لأهل البيت، الكلمات، الخطب، المواعظ.
  • الرابع: المدح والرثاء (الشعر).

ولقد أكثر أدباء وعلماء البحرين من الشّعر في القرون الماضية، ولكن ليس كصنعة لتكسب أو التقرب إلى الأمراء أو السلاطين، بل حصر أغلبهم شعره وأدبه في رثاء آل بيت النبي. وترك بعضهم تراثًا شعريًّا ضخمًّا؛ إذ كانت للشعر يومئذ سوقُ رائجة، فأغلب علماء البحرين في ذلك العصر قرضوا الشعر وتعاطوا الأدب.

وتحفل المجاميع الشعرية والأدبية بالكثير من التّراث الشّعري لعلماء البحرين، ويكفي للتدليل على خصوبة هذا التّراث واتساعه مـا دوّنه السيد علي بن معصوم المدني (ت 1120هـ/ 1708م) في (سُلافة العصر في محاسن أهل العصر)، وكتاب (تتمّة أمل الآمل) لأبي شبانة البحراني، والشيخ الطهراني (ت 1389هـ/ 1970م) في (الذّريعة إلى مصنّفات الشّيعة)، والشيخ عبد الحسين الأميني (ت 1390هـ/ 1970م) في موسوعة (الغدير)، وجواد شبر (قتل 1402هـ/ 1982م) في (أدب الطّف)، إلى جانب التّراث الشّعري الضخم المبثوث في المجاميع الأدبية المخطوطة وكتب التراجم والإجازات.

وتوقف السبع عند ثلاث نماذج من شعراء البحرين، وهم : داود بن أبي شافيز (ت 1017هـ) الذي قال في قصيدة له:

وسار النبي الطهر من أرض مكة * وقد ضاق ذرعا بالذي فيه أضمرو

ولما أتى نحو (الغـدير) برحله * تلقـّاه جـبريل الأميـن يبشر

بنصـب (عـلي) واليًا وخليفة * فـذلك وحـي الله لا يتـأخر

وهذه القصيدة – كما يذكر صاحب موسوعة الغدير – تبلغ خمسمائة وثمانين بيتا توجد في المجاميع المخطوطة العتيقة.

والثاني الشيخ إبراهيم بن الشيخ علي البلادي البحراني، أحد أعلام البحرين في القرن الثاني عشر الهجري،  وله قصيدة يبدأها بقوله:

بدأت بحمد من خَلق الأناما * وأشكره على النعما دواما

إلى أن يصل الى الأبيات التالية:

فأشهد مخلصًا أن لا إلهً * سوا الله الذي خلق الأناما

وأن محمدًا للناس منه * نبيّ مرسل بالأمر قاما

وأشهد إنه ولّى عليًا * ولي الله للدين اهتماما

وصيّره الخليفة يوم (خم) * بأمرِ الله عهدًا والتزاما

أما الشاعر الثالث والأخير، فهو الشيخ حسن الدمستاني (ت 1181هـ)، من شعراء القرن الثاني عشر، وله في مدح الإمام أمير المؤمنين (ع):

سل المواقف طراً عن مَسَاجله * وعن مضارعه في فتك ماضيهِ

من دوّخ الكفر لما ثار ثائره * وأيّد الدين لما قام داعيهِ

لولا الحُسام الذي أمضى مضاربه * لنصره لنعى الإسلام ناعيهِ

لولا العلوم التي فاضت جواهرها * من فيه لم تبلغ التوحيد باغيه

ألا ترى أن غير المقتدين به * تاهوا بظلمة تعطيل وتشبيه

هو المنار على نهج الرشاد ومن * ضل المنار فقد أفضى إلى التيه

وديوان الشيخ حسن (نيل الأماني) ضمّ أرجوزة و 44 قصيدة للشيخ حسن الدمستاني، جمعها ولده الشيخ أحمد. وهذا الديوان هو الذي قدّمه العلامة الراحل الدكتور عبد الهادي الفضلي سنة 1962 لكلية الفقه في النجف الأشرف، أي قبل حوالي 60 عاماً!

يذكر أن مهرجان أبا تراب الشعري في نستخته الحادية عشر انطلق في يومي الخميس والجمعة الموافقين (5، 6 من أبريل/ نيسان المقبل 2018)، وذلك بمشاركة عدد من الشعراء البحرينيين والخليجيين والعرب، ويقام بالتزامن مع الاحتفال بذكرى مولد الإمام علي بن أبي طالب (ع).

ورأى رئيس اللجنة المنظمة لمهرجان أبي تراب الشعري، السيد صالح تقي، بأن المهرجان أصبح تظاهرة ثقافية، وفضاءً واسعًا لاكتشاف المواهب الشعرية، والإبداعات الشبابية، إلى جانب مناقشة أبرز التطورات التي تشهدها الساحة الأدبية، وسبل وآليات مواصلة النهوض بالتجارب الشعرية المتنوعة.

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑